28/2/2025

د. كمال الصيد([1])

تمهيد

استفاق العالم يوم 7أكتوبر 2023 على زلزال قوي كسر كل مؤشرات ريشتر وفاق موجة تسونامي، فأتى على يابس الترتيبات العسكرية والاستخبارية الصهيونية وأقض مضاجع المستوطنين وكسر في أقل من أربع ساعات هيبة جيش الاحتلال، فضرب صلف كبريائهم وطغيانهم، لقد كانت ضربة طوفان الأقصى هزة عنيفة في قلب الكيان، وصدمة لم تحدث في تاريخه، أحدثت شرخا عميقا في أعمدة بقائه ووجوده. لقد تكبد الكيان في يوم واحد من خسارة في الأرواح والعتاد والمعنويات ما لم يحصل له في حروب طويلة مع الأنظمة الرسمية العربية. لقد مثل طوفان الأقصى أضخم عملية عسكرية منذ نشأة كيان الاحتلال في داخل الأراضي المحتلة، شنتها المقاومة الفلسطينية المتمثّلة بشكل رئيس من حركة حماس في قطاع غزة عبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عزالدين القسام، ويُعدّ طوفان الأقصى ردا سريعا وهجوما مدروسا لتلقين الكيان الغاصب درسا قاسيا على انتهاكات الجيش والمستوطنين المتكررة والمدنسة لحرمات القدس، واقتحاماتهم للمسجد الأقصى التي أصبحت يومية وبحماية مشددة من شرطة الكيان، وردا على الاعتداءات العنيفة على المرابطين في المسجد الأقصى وعلى المواطنين الفلسطينيين العُزل في مدينة القدس وفي الضفة.

         في أول معاينة لمجريات الأحداث والتطورات لا يمكن إلا التأكيد منذ اللحظة الأولى ودون تردد على أن ما بعد طوفان الأقصى لن يكون كما قبله، فالعملية مثلت حدثاً استراتيجياً، غير مسبوق طوال الخمسة والسبعين عاماً التي مضت على إنشاء “كيان الاحتلال”، فالمتابع للقضية الفلسطينية بالعقل أو بالفؤاد لا يمكنه إلا أن يرى الحقائق أمام عينيه، وهذه الأحداث التي قد تروع السمع والبصر في الظاهر إنما تنطوي على أسرار ربانية لمن شهد السمع لأنها تسير وفق سنن الله في التاريخ وهي تتبع ما ألقي إليها من ترتيب رباني، فأحداث طوفان الأقصى إنما هي أحداث كالشمس والقمر تجري لمستقر لها وفق مشيئة الله وسننه. وإن من سنن الله ولادة الإنسان على الحرية، وهو يتوق إليها ويقاوم من أجلها كما تتوق الأرض إلى نور الله، ومهما أراد أهل الظلام إطفاء نور الله فإن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

وليست القوانين الإلهية بقاصرة على الإنسان، بل هي قوانين اجتماعية داخل العمران البشري، تنطوي على الفرد والجماعة، وهي مطردة في الإنسانية جمعاء ﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾[العصر: 2 – 3] ولكن هناك من السنن ما هي خاصة بأقوام دون أقوام، وخصائل عامة وقوانين شاملة تنحت روح قوم لا تتعداها ولا تتخطاها، بل هي سمت خاص به يُعرف القوم مثل الجينوم الوراثي.

هذه السنن الخاصة بالأقوام تدعونا إلى التساؤل عن ماهية السنن الإلهية المتعلقة ببني إسرائيل واليهود وعلاقتها بطوفان الأقصى؟ وعلى أي مقتضى تجري أحداث طوفان الأقصى فإن الطوفان له أبعاد استراتيجية وآثار بعيدة المدى وفقا لتلك السنن الخاصة باليهود وبني إسرائيل الحاكمة في مصيرهم.

إن هذه الإشكالية تستدعي بالضرورة اعتماد منهجية خاصة وهي اتباع منهجي الاستقراء والوصفي التحليلي من أجل استكشاف السنن الإلهية الخاصة ببني إسرائيل مما يتطلب البحث في النصوص التأسيسية الإسلامية وهي مصادر الوحي الإسلامي وكذلك الاستهداء بوقائع التاريخ لبيان سريان السنن الإلهية في مصائر بني إسرائيل وأثر ذلك واقعا واستشرافا لما يحدث في غزة وما سيقرره طوفان الأقصى من أبعاد استراتيجية تحدد ملامح مستقبل الصراع حول أكناف القدس.

إن طرح الإشكالية وتقديم استفهامات حول المسار التاريخي لبني إسرائيل والبحث عن مدى تحكم السنن الإلهية في معركة طوفان الأقصى والنظر في أبعادها الاستراتيجية له أهمية كبيرة في الاستشراف والنظر في مستقبل تداعيات معركة طوفان الأقصى، خاصة إذا نجحنا في إماطة اللثام عن تلكم السنن التي تحكم المعركة وتحدد مصائرها، وهو استشراف قائم على العلم بسنن التاريخ المبثوثة في تعاليم القرآن الكريم والتي تجري مجرى القضاء والقدر الذي لا يحجب مسؤولية الإنسان في التعاطي مع أصناف الامتحان في الاجتماع البشري. وإن فهم آلية اشتغال السنن الكونية والاجتماعية وإدراك مفاتيح تفسير سنن قيام الأمم والدول وكيفية نهوضها وسقوطها وأسرار الدورات الحضارية وقوانين صعودها ونزولها وتعطلها وتخلفها ودراسة تعلق الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج في عالم الإرادة والحرية أي عالم الاجتماع البشري، إن فهم كل ذلك يجعلنا نعيد الدخول في الدورة الحضارية والخروج من حالة التدهور الاجتماعي والعلمي والسياسي لأن فهمنا لسنن الكون والاجتماع يجعلنا نسخرها لفائدة الاستئناف الحضاري كما فهم أسلافنا شروط الخيرية والشهادة على الأمم فصنعوا خير أمة أخرجت للناس.

على هذه المعاني التمهيدية يـتأسس البحث على ثلاثة أعمدة هي أقسامه المتمثلة في المباحث الآتية:

المبحث الأول: في استنباط السنن الإلهية وطوفان الأقصى والذي ينقسم بدوره إلى فقرة أولى: مفهوم السنن الإلهية وفقرة ثانية: السنن الإلهية الخاصة ببني إسرائيل

المبحث الثاني: طوفان الأقصى والأبعاد السياسية وينقسم إلى فقرة أولى: تساقط “جُدر” دولة إسرائيل وانهيارها وفقرة ثانية: عودة الخلافة الراشدة وعاصمتها القدس

المبحث الأول: في استنباط السنن الإلهية وطوفان الأقصى

من إعجاز القرآن الكريم صياغته للخطوط الأساسية لحركة التاريخ في مبادئ عامة يسميها (سننا) ويعتمدها المفسرون الإسلاميون منطلقاً لا لتزييف التاريخ – وإنما لتفسيره وفهمه وإدراك عناصر حركته ومصائر وقائعه ومسالكها المعقدة المتشعبة. وهو – إذن – تفسير شامل محيط، يعطي أصدق صورة للسنن التي تسير هذا التاريخ، وبما أن هذه السنن من صنعه تعالى، ارادة وعلماً ومصيراً، فإن هذا الموقف القرآني من حركة التاريخ وتفسيره يأخذ صفة الكمال([2]).

المطلب الأول: في مفهوم السنة الإلهية

تأتي السنة على معان عدّة منها:

– الطريق، فالسنة في الأصل ﴿سنة الطريق، وهي طريق﴾ سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم([3])، وسن فلان طريقا من الخير يسنه إذا ابتدأ أمرا من البر لم يعرفه قومه فاستسنوا به وسلكوه، وهو سنين. ويقال: سن الطريق سنا وسننا، ويقال: تنح عن سنن الطريق، قال الجوهري: السنن الطريقة. يقال: استقام فلان على سنن واحد. ويقال: امض على سننك وسننك أي على وجهك. والمسنن [المسنن]: الطريق المسلوك، وفي معجم اللسان: طريق يسلك([4]).

– القانون: سنة الطبيعة: قانونها وناموسها([5]).

– الحكم والأمر: ويقال: هذه سنة الله، أي: حكمه وأمره ونهيه؛ قال الله جل وعز: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 38] وقال تعالى أيضا: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: 62] ([6]).

الطريقة والعادة: قال الألوسي في تفسيره “والسنة في الأصل: الطريقة والعادة، ومنها قولهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم([7])، وجاء فيه أيضاً عند تفسير قوله تعالى ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الحجر: 13] والمراد: عادة الله تعالى فيهم”([8])، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “والسنّة هي العادة التي تتضمن أن يفعل في الثاني مثل ما فعل بنظيره الأول، ولهذا أمر الله تعالى بالاعتبار” ([9])، “ولذلك قيل إن” سنة الله هي الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر بناء على سلوكهم وأفعالهم وموقفهم من شرع الله وأنبيائه وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة”([10])

ولقد بيّن الله في كتابه العزيز ومن مجموع آياته الكريمة أن الساحة التاريخية لها سنن ولها ضوابط، كما تكون هناك سنن وضوابط لكل الساحات الكونية الأخرى. فقد قاوم “القرآن الكريم هذه النظرة العفوية الاستسلامية، ونبه العقل البشري، إلى أن هذه الساحة لها سنن، ولها قوانين، ولكي تستطيع أن تكون إنساناً فاعلاً مؤثراً، لا بد لك أن تكتشف السنن التاريخية في القرآن، وتتعرف على تلك القوانين، لكي تستطيع أن تتحكم فيها، وإلا تحكمت هي فيك وأنت مغمض العينين، افتح عينيك على هذه القوانين، لكي تكون أنت المتحكم فيها وليس العكس “([11]).

  1. في خصائص السنن الإلهية:

وإن لسنن الله تعالى خصائص ومميزات ومنها:

أولا: الثبات

ومعنى ثبات سنة الله أنها لا تتغير ولا تتبدل ولا تتأثر بعوامل المكان والزمان وهي خاصية لازمة وضرورية وجوهرية فلا تكون كذلك” لو لم تكن السنن ثابتة مستمرة ومطردة؛ كشأن “القاعدة القانونية. فهي ثابتة لا تتغير”([12])، أي لن تجد تغييرا، فهي قد سبقت في الأمم الذين من قبل، يقول بن تيمية: “والرب تعالى في الحقيقة لا ينقض عادته التي هي سنته، التي قال فيها:، ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الفتح: 23]، وقال: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلاً ﴾ [فاطر: 43]؛ وهي التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين؛ فهو سبحانه إذا ميَّز بعض المخلوقات بصفات يمتاز بها عن غيره، ويختصه بها، قرن بذلك من الأمور ما يمتاز به عن غيره، ويختص به”([13]).

ثانيا: الاطراد

ومن مميزات سنة الله أنها مطردة لا تتخلف، ويدل على اطرادها أن الله تعالى قصّ علينا قصص الأمم السابقة وما حلّ بها لنتعظ ونعتبر ولا نفعل فعلهم لئلا يصيبنا ما أصابهم، ولولا اطرادها لما أمكن الاتعاظ والاعتبار بها اطّراد السنن، أي تكرارها متى ما تكررت الأسباب المقضية لها، فالسنن هنا للعبرة والعظة، مخافة الوقوع في مَظِنَّة السَّبَبِ فيقع المسبَّبُ([14])، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النساء: 26]، فبحدوث المسبِّبات التي تتسبب بوجود هذه السنن توجد، أي أنها تسير وفقا لقانون السببية، ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾، [فاطر: 43]

ثالثا: العمومية

 وهي تتصف سنة الله بالعموم أي أنها عامة يسري حكمها على الجميع دون محاباة ولا تمييز، قال تعالى: ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُر﴾، ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: 51]. أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم([15])، وقال تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: 123]، والمعنى أن كل من يعمل سوءاً يلق جزاءه؛ لأن الجزاء بحسب سنّة الله تعالى أثر طبيعي للعمل لا يتخلف عنه([16]).

رابعاً: لا تتعارض مع إرادة الإنسان

ومما سبق، وعلى ضوء حكمة الله من سننه، يتضح أن مصير الإنسان يشكله بيده من خلال قراراته التي يتحكم بها، فالاختيار بين الشر والخير موكول إليه بمحض إرادته وكامل سلطانه الحر، فهو الذي يحسم بين الخير والشر، وهذا التمييز والاختيار بينهما هو محل الابتلاء وهنا تكمن طاعة الإنسان لله ومسؤوليته في الكون ومعنى استخلافه في الأرض، “فيظهر دور إرادة الإنسان عن طريق الالتفات إلى الشكل الأوّل من أشكال السُنّة التاريخيّة، الذي تصاغ فيه السُنّة التاريخيّة بوصفها قضيّةً شرطيّةً. وكثيراً ما تكون هذه القضيّة الشرطيّة في شرطها معبّرة عن إرادة الإنسان واختيار الإنسان، إذ الشرط: هو فعل الإنسان، هو إرادة الإنسان، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11] ([17]). فالله تعالى من خلال سننه لا يعني أنه يستخدم البشر كآلات صماء، بل هو يترك للإنسان حرية الاختيار بين الشر والخيركما أنّ ذلك القانون الطبيعيّ للغليان كان يزيد من قدرة الإنسان لأنّه يستطيع حينئذٍ أن يتحكّم في الغليان، بعد أن عرف شروطه وظروفه، كذلك السُنن التاريخيّة ذات الصيغ الشرطيّة، هي في الحقيقة ليست على حساب إرادة الإنسان، وليست نقيضاً لاختيار الإنسان، بل هي مؤكّدةٌ لاختيار الإنسان، توضّح للإنسان نتائج الاختيار، لكي يستطيع أن يقتبس ما يريده من هذه النتائج، لكي يستطيع أن يتعرّف إلى الطريق الذي يسلك به إلى هذه النتيجة، أو إلى تلك النتيجة، فيسير على ضوءٍ وكتابٍ منير([18]).

المطلب الثاني: السنن الإلهية وبني إسرائيل

كان من الطبيعي التطرق إلى بعض النماذج والأمثلة من السنن الإلهية الكلية أو العامة بما هي لا تتخلف إحاطتها عن كل العمران البشري، وذلك حتى نفرد مجالا لما نعدّه سننا خاصة ببني إسرائيل ومن جهة ثانية لتمثل هذه السنن الكلية وضوحا وفهما عند الحديث عن سنن اليهود، يبقى من المفيد الجواب عن سؤال يبدو منطقيا وهو كيف نتحدث عن سنن تاريخية في القرآن الكريم التي من مميزاتها العموم ثم نتحدث عن بعضها التي لا تشملها هذه الصفة، قد يبدو في الأمر شيء من التناقض، في الحقيقة المسألة لا تعدو أن تكون تخصيصا من الله لسنن مرتبطة ببني إسرائيل لا غير، وهذا مستخلص من استقراء الآيات القرآنية ومستنبط من تخصيص الله سبحانه حيزا معتبرا من القصص القرآنية لقصص بني إسرائيل حتى إنه معلوم على سبيل الذكر أن أكثر اسم لنبي ذُكر في كتاب الله هو موسى عليه السلام، وقد اختص الله اليهود من دون الأقوام الأخرى بالتشريح الاجتماعي لهم في كتابه وبالتوصيف العلمي الدقيق المتيقن لمكنوناتهم النفسية وخصالهم الخلقية الذميمة، وعد لهم بالتفصيل قائمة جرائمهم التي اقترفوها، ومنها تكذيب الأنبياء وقتلهم بغير حقّ، وإشراكهم بالله بعد إنقاذهم من فرعون بعبادة العجل، ورفضهم دخول أرض فلسطين، وتحريفهم للتوراة، وأكلهم السُحْت، وتعاملهم بالربا ونشرهم الزنا والرذيلة، وغيرها من المعاصي التي اقترفوها وفصّلها القرآن الكريم، وفي هذه تحريض من الله على واجب فهمهم لأنه سبحانه يعلم أنهم كما إبليس عدو الإنسان فإنهم أعداء أمة نبيه محمد عليه السلام. وقد اتضح بتصفح التاريخ اليوم أن الله قدم لنا السنن القرآنية الخاصة ببني إسرائيل للحظة تاريخية أتت حقا، ومعانيها لم تكن حاضرة عند أسلافنا من العلماء فهي معان قرآنية كانت مستورة، مندرجة في علم الغيب، مما يثقل أكتاف العلماء اليوم بواجب استكشاف هذه القوانين والاتعاظ بها والعمل من خلالها لإحقاق الحق وسحق الباطل عسى أن يكون الجزاء الذي حتمه الله على الظالمين والمستكبرين من بني إسرائيل قد اقترب، وقد جاء طوفان الأقصى ليكون بداية الجزاء بمشيئة الله وحكمه.

أولا: سنة التكذيب وقتل الأنبياء

يقول الصلابي: “وفي الوقت الَّذي يقدِّسون فيه أحبارهم، ورهبانهم إلى درجة العبادة نجدهم في المقابل لا يتورَّعون عن محاربة أنبيائهم، وصالحيهم، ويشنُّون عليهم الحملات المغرضة بشتَّى الطُّرق، والوسائل كافَّةً، ولا يمتنعون حتَّى عن قتلهم؛ كما فعلوا بزكريا، ويحيى عليهما السَّلام، وقد أخبرنا الله – عزَّ وجلَّ – عنهم بذلك، فبعد أن بيَّن – عزَّ وجلَّ – ألواناً من العذاب أوقعه عليهم؛ قال: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيات اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 61]”([19])، وقد جاءت عدد من الآيات التي تختص بوصف بني إسرائيل بخصائص جينية لا تتخلف فيهم سارية عليهم، فقد استمر فيهم هذا القانون في كل زمان، سنة القتل وسنة التكذيب، وحتى لما بُعِثَ إليهم آخر نبيٍّ، وهو عيسى عليه السلام، كذَّبوه ورموه وأمه بأشنع التُّهم وأقبح الإفك، وتصدَّوا لقتله؛ فرفعه الله إليه ونجَّاه من شرِّهم. ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [البقرة: 87]. ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ [المائدة: 70]. وقد عبر لفظ “أفكلما” في الآية عن هذا القانون الرباني الكلي والعام في بني إسرائيل.

شرط القانون الإلهي: أفكلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ

جزاء القانون الإلهي: اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ -فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ

ثانيا: سنة التبديل والتحريف:

 وإن من أوضح السنن القرآنية الخاصة ببني إسرائيل لمن يريد الاعتبار والتأكد هي سنة التبديل والتحريف قال سبحانه وتعالى: ﴿مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46]، وقد ذكر الله وأكد في آيات عديدة على هذه السنة لأهميتها في الصراع الحاصل اليوم مع الصهاينة المحتلين يقول تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: 59] ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 79]. ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [المائدة: 13] ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُّؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٞ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَٰمَ اَ۬للَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَۖ﴾ [البقرة: 74] قال الإمام ابن كثير: قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه أي: يتناولونه على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل قصدا منهم وافتراء. والمعنى في الجملة أنهم “يحرّفون كلام ربِّهم الذي أنـزله على نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة، فيغيرون ما جاء به من لفظ ومعان، ويكتبون بأيديهم غير الذي أنـزله الله تعالى على نبيهم، “فهذا الفريق لا يكتفي بما فعله أسلافه وما يتحمل وزره الذين يعلمون الكتاب المنزل من قبل ويكتمونه، بل إنه يجعل كلام النبي -صلى الله عليه وسلم – منحرفا في أذهانهم الملتوية عن حقيقة معناه، ويتهكمون عليه، ويحملونه بأغراضهم الفاسدة ما لا يحتمل من المعاني، ولا يكتفون بذلك التحريف، بل يجمعون معه النطق بالعصيان عند السماع”([20]).

شرط القانون الإلهي: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ -يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ-

 جزاء القانون الإلهي: فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ -لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ -والويل: الهلاك والدمار، قسوة القلب.

والويل: الهلاك والدمار، وعن ابن عباس: الويل: السعير من العذاب، وقال الخليل بن أحمد: الويل: شدة الشر، وقال سيبويه: ويل: لمن وقع في الهلكة، وقيل: أصله الهلكة، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومنه قوله تعالى: يا ويلتنا مال هذا الكتاب. وهي الويل والويلة، وهما الهلكة الجزاء اللعن والعياذ بالله([21]).

ثالثا: سنة الجبن والحرص على الحياة

قال الله تعالى: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ [الحشر: 14] قوله تعالى: لا يقاتلونكم جميعا يعني اليهود ومعنى” إلا في قرى محصنة “أي بالحيطان والدور، يظنون أنها تمنعهم منكم. أو من وراء جدر أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم([22]). وقد ظهر مؤخرا في معركة الطوفان وقبلها سنة الاحتماء بالجدر متمثلة بالاحتماء بالجدارين العازلين من ضربات المجاهدين أحدهما إسمنتي الآخر المعروف بالقبة الحديدية، وهذه الجدر هي ذروة ما توصلوا إليه في إستراتيجية الدفاع والتحصن التي اعتاد اليهود الحرص عليها منذ القدم بسبب شخصيتهم المعروفة بالجبن والخوف من الموت([23]). وقيل: بأسهم بينهم شديد أي إذا لم يلقوا عدوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، ولكن إذا لقوا العدو انهزموا([24]). وإنا نشهد بالعودة إلى تاريخ بني إسرائيل كيف أنهم يحتمون في كل مرة وهو في شتات دائم بالأنظمة العالمية القوية فيتسترون وراء الرومان ويتقربون إليهم ويتسترون وراء قوة المسلمين في الأندلس ووراء قوة روسيا، ثم وراء قوة ألمانيا، ثم بريطانيا والآن وراء قوة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنهم في كل مرة يلقون مصيرهم المحتوم وقدرهم المكتوب في سنن الله بسبب غدرهم وخيانتهم المتكررة.

شرط القانون الإلهي: يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا

جزاء القانون الإلهي: أن الله جاءهم من تلقاء قلوبهم وقذف في قلوبهم الرعب ولم تغني عنهم الجدر والقرى المحصنة.

رابعا: سنة حبل من الناس:

قال الله تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 112] في تفسير هذه الآية قال ابن عباس: (إلا بحبل من الله وحبل من الناس). والمعنى أنهم لا يسلمون من الذلة إلا إذا تلبسوا بعهد من الله، أي ذمة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولي بأس شديد، وأما هم في أنفسهم فلا نصر لهم. وهذا من دلائل النبوة فإن اليهود كانوا أعزة بيثرب وخيبر والنضير وقريظة، فأصبحوا أذلة، وعمتهم المذلة في سائر أقطار الدنيا([25]). وفي تفسير الدمشقي: أي: ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا فلا يأمنون (إلا بحبل من الله) أي: بذمة من الله، وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم، وإلزامهم أحكام الملة (وحبل من الناس) أي: أمان منهم ولهم، كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة، وكذا عبد، على أحد قولي العلماء([26]). ومعلوم أنه” منذ دخول الصهاينة إلى فلسطين وهم ينشدون تحقيق الأمن لكيانهم الغريب عن جسد الأمة فسلكوا في سبيل ذلك.. الاستعانة بالدول الغربية التي يسيطرون على دواليب الحكم فيها وعلى بنوكها ومؤسساتها المالية كأمريكا وإنجلترا لتبذل لهم الحماية بحق الفيتو وبالسلاح والتقنية المتطورة وتضمن لهم بقاء تفوقهم العسكري قائما في المنطقة”([27])، فالخلاصة في هذه السُنة التي تخص بني إسرائيل أنهم دائما ما يبحثون عن الاحتماء بالعهود والاحتماء بقوة الناس والتحالفات مع الأقوياء من الأمم تذللا ومسكنة، ولكن لأنهم لا يحترمون عهدا ولا ذمة فإن مصيرهم الهزيمة الذليلة والخزي الدائم والغضب الأبدي من الله.

شرط القانون الإلهي: ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ

جزاء القانون الإلهي: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ -وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ – وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ.

خامسا: سنة الشتات والتجميع

قال الله تعالى: ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الإسراء: 104] يقول الشعراوي في تفسير الآية: ﴿ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ﴾ هكذا دون تقييد بمكان معين، لينسجم مع آيات القرآن التي حكمتْ عليهم بالتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، فلا يكون لهم وطن يتجمعون فيه، وجاء في تفسير القرطبي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: جِئْنَا بِكُمْ جَمِيعًا مِنْ جِهَاتٍ شَتَّى. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَاللَّفِيفُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، يُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ بِلَفِّهِمْ وَلَفِيفِهِمْ، أَيْ وَأَخْلَاطِهِمْ”([28])، يقول الشعراوي: «والمعنى المقصود إذن أن الحق يبلغنا أنه سيقطعهم في الأرض تقطيعا بحيث لا يستقرون في مكان أبدا. وذلك مصداقا لقول الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً.. ﴾ [الأعراف: 168] ([29])  فليس لهم وطن خاص. وتمت بعثرتهم في كل الأرض.

         والواقع يُؤيد هذا، حيث نراهم مُتفرقِّين في شتَّى البلاد، إلا أنهم ينحازون إلى أماكن مُحدَّدة لهم يتجمَّعون فيها، ولا يذوبون في الشعوب الأخرى، فتجد كل قطعة منهم كأنها أمة مُستقلة بذاتها لا تختلط بغيرها([30]). وهذه الإفسادة هي ما نحن بصدده الآن، حيث سيتجمع اليهود في وطن واحد ليتحقق وَعْد الله بالقضاء عليهم، وهل يستطيع المسلمون أن ينقضُّوا على اليهود وهم في شتيت الأرض؟ لا بُدَّ أن الحق سبحانه أوحى إليهم بفكرة التجمُّع في وطن قومي لهم كما يقولون، حتى إذا أراد أَخْذهم لم يُفلتوا، ويأخذهم أخْذ عزيز مقتدر. وهذا هو المراد من قوله تعالى: ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ [الإسراء: 104] أي: مجتمعين بعضكم إلى بعض من شَتّى البلاد، وهو ما يحدث الآن على أرض فلسطين([31]).

 “وحين يأتي بهم الحق في الجولة الآخرة سيأتون لفيفا أي مجتمعين؛ لأن الأمة المؤمنة حين يقويها الله لتضرب على هؤلاء القوم ضربة لا بد أن يكونوا مجتمعين. وكأن الله قد أراد أن يكون هذا «الوطن القومي» حتى يتجمعوا فيه وبعد ذلك يرسل الضربة عليهم لأنه جاء بهم لفيفا؛ لذلك لا نحزن لأنه قد صار لهم وطن، فقد جاء بهم لفيفا”([32]) ، وقد علم بعض من علمائهم بهذه السنة التاريخية فكانوا يدركون مصير التشتّت الحتمي وعقابهم بالإذلال الذي ينتظرهم حال تأسيسهم دولة قومية يهودية، وهم يعتقدون أنّ زوال دولة إسرائيل سيكون عند اكتمال اجتماعهم فيها، ومما يعتقدون أيضا أن تأسيس إسرائيل يعتبر معصية لأنها مخالفة لأمر الله ومعارضة لسنته التاريخية المتمثلة في تشتتهم المقدور بأمر الله وحكمه عليهم.

الخلاصة:

 شرط القانون الإلهي: الاجتماع في مكان واحد – والخروج عن سنة التشتت وتكوين دولة قومية يهودية

جزاء القانون الإلهي: زوال الدولة وتشتتهم من جديد وهزيمتهم – وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً

سادسا: سُنة العَوْد وهلاك بني إسرائيل:

 قال الله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘوَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (8) إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) [سورة الإسراء].

 يُمثل قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ [الإسراء: 8] استشرافا بعلم الله المطلق للصراع العربي الصهيوني وبناء على هذه الكلية الاجتماعية وسنة الله اليقينية في حق اليهود وهذه السنة الإلهية الخاصة بهم التي يتحقق جزاء هلاكهم بما ورد من تفصيل في الآية الكريمة، كلما حققوا شرط العودة إلى الإفساد والعلو في الأرض. وقد حصل في الماضي ويحصل في المستقبل، وإن في الآية معنى إعجازياً يؤكد من خلاله الله عز وجل هذه السنة وهو أن اليهودي عندما يكون في الشتات يبقى لديه الحنين إلى العودة إلى أرض الأجداد الموعودة بحسب قولهم فهو دائما يحدث نفسه بالعودة ويخطط لذلك وهي نزعة ملازمة لكل يهودي ولأن الله يعلم ذلك ويريدنا أن نعلم فإنهم يحذرهم من مغبة العودة فيتوعدهم بالشتات والهلاك إذا ما عادوا والمعنى الموجز هنا لعبارة إن عدتم عدنا أن قانون الشتات يبقى يحكمكم لا محالة فلا تجتمعون أبدا. ودون البحث في قضية الإفسادين وتوقيتهما ومكانهما واختلاف المفسرين في شأنها، فسُنة العوْد هي سنة ثابتة ومطردة وعامة على اليهود ولا خلاف فيها، ونحن أمام قانون إلاهي لا مرد له، مادام يحصل شرطها اليوم من إفساد دولة إسرائيل وجرائمها المنظورة على مرأى العالم أجمع كآية لتحقق العقوبة بعد شهادة الناس كافة، فكان إفسادها الثاني جليا متمثلا بإعلان الدولة الصهيونية عام 1948، واحتلال الصهاينة القدس عام 1967 وما يعيش العالم اليوم من إبادة جماعية تشكل أكبر عملية إفساد شهدتها الحضارة البشرية فاق ما حصل في الحربين العالميتين.

شرط القانون الإلهي: وإن عُدتُّمْ – لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ –

جزاء القانون الإلهي: عُدْنَا – وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً – لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ – وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً

المبحث الثاني: طوفان الأقصى والبعد الاستراتيجي السياسي

المطلب الأول: في تداعي جُدر دولة إسرائيل

تتعدد جدر الكيان المحتل التي يختفون وراءها وفقا للقانون الإلهي الخاص باليهود، فهم يصنعونها حقا وزيفا وإيهاما، فهي لا تكاد تحصى لكثرتها وذلك لشدة خوفهم وجزعهم، فهم هَشٌ كقِشٍ، يتسترون وراء الجدر ولا يواجهون إلا من ورائها، فإذا سقطت سقطوا، وإذا اختفت زالوا.

أولا: سقوط جدار “نظرية الأمن الإسرائيلي”

إن من تبعات خيار المقاومة الذي جسدته عملية طوفان الأقصى مراكمة القضم التدريجي للأمن الاستراتيجي لكيان الاحتلال، وذلك بإسقاط جدار “نظرية الأمن الإسرائيلي” القائمة على مبادئ الردع والإنذار المبكر والقدرة على الحسم، ومبدأ الدفاع. حيث تهاوت هذه المبادئ الأربعة في هذه العملية. وبسقوط أركان الأمن الرادع حصل توازن الرعب، فأصبحت أرض الميعاد أرض الرعب والخوف، لقد بلغت صواريخ القسام كل مداها في جغرافية المواطن المحتل والمعمر، لم يبق له مكان آمن لا تلحقه سطوة المقاومة، إن البنية النفسية للمعمر المحتل ضريت في الصميم، فالأمن مسألة جوهرية في النظرية الصهيونية وعماد متين في بنية كيان المحتل، باعتبار أرض الميعاد هي الملاذ الآمن ليهود العالم الذي حولته الصهيونية إلى عقيدة. لم تعد أرض الميعاد لها الجاذبية التاريخية، إن كل جهد وكالات التسفير التي تبيع الحلم الصهيوني لعالم اليهود سقطت في الماء في أقل من نصف يوم، ما حل بالمستوطنات الكيبوتس أصبح مصدر كوابيس للمعمر المستوطن، إن ما قام به طوفان الأقصى في الساحة السياسية الفلسطينية هو الاعتراف بخيار المقاومة وفشل خيار السلام واتفاقات أوسلو لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي فلسطين المحتلة سنة 1967، وإن توازن الرعب المحلي في غزة قد يحمل في ثناياه بعدا استراتيجيا أخطر في المستقبل وهو توازن الرعب الدولي مع قوى الاستعمار القديمة الجاثية في مجلس الأمن الجهاز الدولي الذي به تتحكم في مقدرات الشعوب وتعبث بثرواتها وسيادتها الوطنية. وهو نقطة التحول في تاريخ الشعوب المقاومة للاستعمار والاستيطان، ما يذكرنا بالعدوان البربري الذي قام به الجيش الفرنسي في واقعة سطيف بالجزائر في سنة 1945حيث قتل في يوم واحد خمسا وأربعين ألفا من الأبرياء العزل فكانت مجزرة سطيف نقطة يؤرخ بها لبداية حرب التحرير الجزائرية، وكانت نقطة البداية لانطلاق ثورة التحرير. لقد منحت هذه اللحظة التاريخية في الصراع الجزائري الفرنسي المفكر مالك بن نبي نظرية القابلية للاستعمار أو حالة الوهن بالمصطلح النبوي، إذ يعتبر أن شرط الانتصار على أعداء الأمة يكمن في التغلب على الشعور النفسي بـ”القابلية للاستعمار”، وهو ينتظر ولادة هذا الشعور في جمهور الأمة وخاصة في شبابها، فيقول: ” فالعفوية والتجريبية والعاطفة النبيلة والغضب المقدس؛ ذلك كله هو طابع السياسة الإسلامية اليوم كالغضب الذي يبديه مصدق ضد احتلال عبادان والنحاس باشا ضد احتلال السويس. وقد تُشفى أمراض بأعجوبة عقب غضب كهذا، ولكن متى؟ وكيف؟ هذه مشكلات لا تفرضها التجريبية كما لا تطرحها كمشكلة. فالعالم الإسلامي سوف يُشفى مع الزمن – بدون شك من قابلية الاستعمار، وغضبته الحاضرة ضد الاستعمار ستساعده بالتأكيد، ولكن كيف؟ ومتى سيشفى؟ إذا لم يُبْنَ على وعي منهجي له مقدماته ونتائجه”([33]). ومن جهتنا نقول: إن مشهد طوفان الأقصى سيصبح مثالا للتحرر من حالة الركوع والانحناء تحت سقف النظام العالمي بأدواته المنحازة لشعوب الشمال المترفة على حساب شعوب العوالم الأخرى المقهورة فقرا وجوعا وتخلفا، وتحت سقف العولمة المكرسة لهيمنة ثقافة الاستعمار والبنوك المتحكمة في قوت المستضعفين. إن سبعة أكتوبر هي لحظة حضارية مفصلية في التاريخ مثل اكتشاف أمريكا وسقوط القسطنطينية، تؤسس لمستقبل جديد بنظام عمران عالمي جديد ينقذ البشرية من أحقاد الصهيونية العالمية ويحضر فيه المعنى والروح من جديد.

ثانيا: سقوط جدار هيبة الجيش الذي لا يقهر

أذل طوفان الأقصى جيش الاحتلال، وكسر هيبته في ساعات معدودة، ومرغ أنف الكيان المحتل بالتراب ولطخ سمعة جيشه الذي لا يقهر في الوحل، بل أصبح الجيش الصهيوني في حالة هستيرية وهشاشة نفسية ضعيفة لم يسبق لها مثيل إلى درجة الرعب والخوف ومعاينة حالات انتحار وهروب من الخدمة العسكرية. لقد استطاعت حماس تخطي نظام الدفاع الذي صرف عليه الكيان المحتل مليارات الدولارات، ومن مصائب الاحتلال أنه تم تصوير الهجوم بصورة شبه مباشرة أنست العالم أفلام هوليود المصنعة، وحاكت الألعاب النارية الالكترونية الافتراضية، ونقلته كل وسائل الإعلام العالمية، ما شكل إذلالاً لكيان الاحتلال وهزيمة في معركة الإعلام ألحق أضراراً فادحة بصورته العسكرية التي لم يعد ممكنا ترميمها، فقد ارتسمت صورة الهزيمة النكراء في عيون المشاهدين عبر العالم، ونقشت في عقولهم وغيرت قناعاتهم حول أسطورة جيش الاحتلال. لقد سقطت مقولة كيان الاحتلال شرطي المنطقة. وكما قال أحد الباحثين في الشأن الفلسطيني “فبعد حالة العجز والفشل في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، وبعد سقوط نظرية الأمن، وانهيار الردع، وانكشاف أن “نِمرها” هو “نِمر من ورق”، لم تعد “إسرائيل” قوة يعتمد عليها الغرب في الهيمنة على المنطقة، ولا قوة موثوقة تلجأ إليها دول المنطقة في حل نزاعاتها”.

لقد سعى كيان الاحتلال على مدى سبعة عقود على توفير شروط الأمان لمواطن الاحتلال المعمر الجديد في محيط معاد من شعوب عربية وإسلامية، لقد اخترق الكيان المحتل المنطقة العربية وحل محل شعب عربي يحيط به بنو أعمامه من العرب والمسلمين، لقد أحاط الاحتلال كيانه الجديد بمعاهدات سلام مع كل بلدان الجوار، وحصن نفسه بكل أنواع الأسلحة الرادعة حتى السلاح النووي، ولم يهنأ لذلك بل كان دائما في سباق مع أعدائه بإغراءات التطبيع كل ذلك لتحقيق الحياة المنيعة والهادئة في حقل كله ألغام من شعوب تنتظر فريستها لتحرير أعز ما تملك من مقدساتها، يضاف إلى ذلك تحالفات الكيان مع أعتى الأنظمة الدولية التي توفر له الأمن والحماية من العقاب داخل أروقة المنظمات الدولية مع الدعم المالي والعسكري والأمني. لقد جاءت عملية طوفان الأقصى في ظرف وجيز فأسقطت كل شروط الأمان والهدوء والسلم الاجتماعي للمواطن المعمر المحتل. لقد أعادت ثلاث ساعات من المقاومة في عملية طوفان الأقصى المسألة اليهودية ثلاثة قرون إلى التاريخ، فألقت من جديد عبء المسألة اليهودية على الغرب وذكرته بذنبه التاريخي الحضاري في حق اليهود الذي كان تاريخ الغرب معهم الطرد والتعذيب والتهجير حتى تخلصوا منهم بوعد بلفور، لقد كشف طوفان الأقصى فشل الحل الأوروبي الفظيع للمسألة اليهودية عندما منحوا الشعب اليهودي ما لا يملكون وجعلوا منه فريسة للصهيونية الإحلالية تحت شعار مزيف عنوانه “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”، ثلاثة ساعات كانت كفيلة لإسقاط هذا الشعار عندما هب أصحاب الأرض في عملية خاطفة مبهرة يقولون إننا أصحاب الأرض، ولا يمكن للعالم ولأوروبا أن تقضي على القضية الفلسطينية بمشاريع الاستسلام والتطبيع مهما كلفهم من ثمن، وهي قضية لا تنتهي بالتقادم ولن تموت في ضمائر الأحرار. لقد أبان المشروع الصهيوني عن فشله في إخضاع الشعب الفلسطيني وتركيعه، لم تمر سنة إلا وانتفض وقاوم وثار ولن يكل أو يمل مهما طاله من تنكيل ومعاناة وسجون، ولمثل هذا الصمود علقت صحيفة هآرتس “إننا نواجه أصعب شعب في العالم”. وها هو “المارد” الفلسطيني المقاوم يفرض برنامجه على العالم من جديد”.

ثالثا: سقوط (الاستيطان) ولعنة الشتات من جديد

إن من نتائج فقدان الكيان لشرط الأمان يحيلنا إلى الأفق الاستراتيجي وهو حالة الهجرة المعاكسة التي أصبحت واقعا في مجتمع الاحتلال وهي مؤشرات على حالة جديدة لها تبعات استراتيجية على مستقبل الكيان، فنزيف الهجرة العكسية أصبح يهدد كيان إسرائيل إلى بالتصدع والسقوط في الفراغ، فلم تعد أرض بلا شعب وإنما أرض بلا أمن، فلا شيء بات يدعو للبقاء، والأخطر من ذلك على الكيان أنه لم يعد أحد يرغب في العودة إلى أرض الميعاد، ولم تعد آلة الدعاية قادرة على استقطاب مواطنين يهود جدد. إن الوضع الجديد الذي بدأ يتشكل في وعي مجتمع الاحتلال هو الرغبة في العودة إلى الأوطان الاصلية أو إلى المناطق الآمنة في أوروبا والولايات المتحدة. إننا الآن أمام وضعية هجرة معكوسة عنوانها اليوم هجرة مئات الألاف من المستوطنين وإجلاء عدد كبير من البلدات والمستوطنات والقرى الصهيونية، وهي تذكرنا بموجة الهجرة اليهودية الجماعية إلى فلسطين في ثلاثينات القرن الماضي، لما قدم عدد كبير من الشعب اليهودي ومن المضطهدين منهم من الدول الأوروبية الشرقية والغربية والمطرودين من جحيم أوروبا الحالمين بأرض الميعاد وجنة الهيكل المزعوم عبر بواخر ممتلئة من يهود شتات العالم. يقول النشيد الوطني لإسرائيل المسمى بـ “الأمل” “إن أفئدة اليهود تخفق وأعينهم ترنو إلى الشرق، إلى صهيون” -أي القدس- أما اليوم وبعد السابع من أكتوبر فإن الزحام على مطار الاحتلال وتوقفه عن العمل تحت قصف المقاومة حول الهجرة العكسية إلى استعمال اليخوت والفرار إلى جزيرة قربص. فقد ارتفعت أخيرا بمناسبة طوفان الأقصى نسبة طلبات الإسرائيليين الحصول على جنسية بلدان أخرى خاصة الأوروبية مثل: البرتغال بنسبة 68%، فرنسا بنسبة 13%، ألمانيا بنسبة 10%، وبولندا بنسبة 10%([34]). إنه نفس المشهد من قول الله “جئنا بكم لفيفا” على سفن وبواخر خارجين من الأرض الموعودة إلى بلاء التيه من جديد، ولكنهم على اليخوت إلى قبرص وغيرها بسبب غلق المطارات غير الآمنة يجرون وراءهم لعنة الوطن اليهودي المزعوم ولعنة العقد الثامن، وهي لعنة أكدها إيهود باراك قائلا: “على مدى التاريخ اليهودي، لم يحكم اليهود أكثر من ثمانين عاما، إلا في مملكة داود وسلالة الحشمونائيم وفي كلتا الفترتين بدأ تفككهم في العقد الثامن” وهو ربما يستحضر في ذلك جميع تجارب الدول الإحلالية الاستعمارية التي صار مآلها الزوال. لقد حقق طوفان الأقصى انتصارا استراتيجيا على إسرائيل في معركة الحرب الديمغرافية حيث ربط مؤسسو بقاء كيان إسرائيل بنجاح الهجرة إليه المعادلة التي قلبتها عصا – موسى – الطوفان رأسا على عقب على أحفاد بني إسرائيل. بحيث أصبحت ظاهرة الهجرة المعاكسة تمثل خطرا وجوديا على الاحتلال الذي يقوم بالأساس على سياسة الاستيطان الإحلالي والتهويد القسري.

ثالثا: سقوط جدار وهن العقل العربي

يمثل يوم السابع أكتوبر بداية صفحة جديدة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، فهو يُعدّ مرحلة انتقالية ومنعطفا استراتيجيا قويا في تاريخ الصراع، فلأول مرة تتنقل المعركة على أراضي الاحتلال وفي عمقها، يمكن القول إنها مرحلة نهاية زمن الهزائم العربية وبداية زمن الانتصارات، ولم يحصل في الماضي العسكري للصراع العربي أن توغلت الجيوش العربية في تراب فلسطين المحتلة، فهي لم تقدر إلا على استرجاع أراضي خسرتها في حرب 67، وكانت أغلبها نتيجة معاهدة سلام، فلم تكن المعارك إلا على تخوم الحدود العربية الفلسطينية. لقد سيطرت المقاومة في يوم طوفان الأقصى يوم السابع أكتوبر وفي ظرف ساعات قليلة على عدد من المواقع العسكريّة الحساسة، منها مقر قيادة “فرقة غزة” التي تتبع جيش الاحتلال ومقر الموساد المحلي وبه عديد المعطيات والبيانات السرية الخطيرة، كما احتلت عددا كبيرا من المستوطنات خلال بضع ساعات بعد أن خاضت اشتباكاتٍ بطولية عنيفة عادت منها إلى غزة بعدد من الأسرى جنودا منهم ضباط برتب سامية فيهم أربعة عمداء وقائد منطقة وبعدد من المستوطنين، كما غنمت مجموعة من الآليّات العسكريّة. حصل كل ذلك بشكل مفاجئ وغير متوقّع لأجهزة الاحتلال الاستخباراتيّة.

إن عملية التوغل العسكري التي قامت بها فصائل المقاومة في عمق الأراضي المحتلة لم تكن معركة عسكرية تقليدية بسيطة تم نجاحها بفعل عامل المباغتة، بل لها بعد استراتيجي مهم لا بد من التوقف عنده والانتباه إليه لأنه يفتح أفقاً جديداً للمقاومة حيث إن نجاح العملية هو انتصار قلة من الشباب، يعيش على أفقر رقعة في الأرض، مستوى مجتمعها التعليمي والأكاديمي لا يختلف عن مستوى مجتمعات البلدان العربية على أعتى أجهزة المخابرات في العالم التي تملك أرقى منتجات العقل الغربي في ميدان التكنولوجيا والصناعات الحربية للرصد والتجسس والقدرات الهائلة للأقمار الصناعة الأحدث في العالم وامتلاك جيش الاحتلال أحدث التطورات العلمية والنظريات الفيزيائية والخوارزميات المعلوماتية المتطورة الأقدر على التحسس والاستشعار عن بعد، لقد أثبتت عملية طوفان الأقصى قدرة العقل العربي الفلسطيني المقاوم على تجاوز القدرات العلمية والبحثية التي صرفت فيها الأموال الطائلة والجوائز المبهرة على مدى سنوات التمدن الحضاري الغربي، وهذه الحقيقة خطيرة لأنها تنبه إلى سرعة لحاق العقل العربي بالعقل الغربي رغم اختلاف الإمكانات والفرص وشروط المعرفة وتخلف المناهج في الوطن العربي، وهو ما يسمح بردم هوة القدرات العسكرية بين المقاومة والاحتلال، وتحقيق توازن الرعب في القريب العاجل، وهو ما ينبه أيضا الشعوب العربية على إمكانية اكتشاف هذه القدرات الهائلة للعقل العربي لو سمح له بحرية الابداع وآمن بقدراته التي فقدها بفعل هيمنة الآلة التعبوية المضادة على الشخصية العربية من خلال هرسلته نفسيا وإقناعه بالعجز وقطعه عن تراثه ومكنوز حضارته العربية الإسلامية المبدعة اختراعا واكتشافا.

ومن أهم الحقائق التي يعاينها على المستوى السياسي المتتبع لمسيرة حركة حماس في غزة وكل فصائل المقاومة هو التحام القيادة مع شعبها، هذه المعادلة التي سمحت للمقاومة بالإقدام على عملية طوفان الأقصى وهي لم تكن لتقوم بالعملية لولا يقينها في انسجام قيادتها مع شعبها، وتعلم أن الشعب الفلسطيني مستعد لدفع الثمن مقابل أي خطوة نحو التحرير والدفاع عن الأقصى والقدس، وهذا ما يلمسه الرأي العام العربي والعالمي في عضوية سكان غزة في المقاومة كل من موقعه وبكل المستويات، فلم يكن هذا الالتحام من فراغ، بل هو نتيجة قناعة جماعية بالخيار العسكري، وهو نتيجة تهيئة نفسية طويلة المدى، وتربية روحية عميقة واستشارات أفقية وعمودية بين المجتمع الغزاوي بأصنافه وتضاريسه المتنوعة شبابا وكهولا نساء ورجالا جامعيين وكوادر وبين القيادات السياسية لمختلف الفصائل وهو ما أنتج شرطا أساسيا لنجاح العملية العسكرية الإعجازية وهو ثقة الجماهير الحقيقية الشفافة في القيادة العسكرية والسياسية.

        هذه الحقيقة ترمي بظلالها على واقع الأمة العربية والإسلامية، وتلقي بملف الديمقراطية والحريات وسر التحام الجماهير مع قيادتها ونزاهة التمثيل الشعبي الصادق في مربع النخب الفكرية والسياسية العربية والإسلامية، وتجعل من هذا الملف شرطا جوهريا في نجاح كل مشاريع الأمة الإسلامية بتنوع الأعراق والقوميات في كل بلدان المشرق والمغرب من المحيط إلى المحيط، إن الدرس الاستراتيجي من هذه الحقيقة هو أن معركة التحرير العربية والإسلامية وهدف الاستئناف الحضاري العربي لا يمكن أن يتم دون تصالح الشعوب معارضة وحكما مع بعضها، وإن معركة الحرية لا تتجزأ بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد، إذ إن المواطن لا يمكن أن يبدع ويحرر وطنه طالما هو فرد يعيش القمع والتهميش في الداخل الوطني. لقد جاءت عملية الطوفان لتعلم الشعوب والحكام ارتباط القضايا التحررية بالقضايا الوطنية تنمية وحضارة.

المطلب الثاني: في تداعي سُنة “الحبل من الناس”

إن القضية الفلسطينية هي بالأساس قضية رأي عام وهي معركة سرديات، كل المعارك السياسية والعسكرية تنتصر عندما تنتصر الحقيقة التي ترويها وتفرض رؤيتها للوقائع والأحداث، وقد حرص كيان الاحتلال على رسم صورة ضحية الهولوكوست واستثمار الطرد الأوروبي الغربي للحصول على أرض فلسطين بالقول إنها أرضهم التاريخية، وإنها أرض الميعاد لأنها أرض الأجداد والأرض المقدسة، وقد طور الكيان المحتل صناعة الرأي العام من خلال الإمساك بقبضة حديدية على وسائل الإعلام العالمية، وإحداث قنوات تواصل إعلامية وصحافة موالية وخلق سينما وشركات إنتاج الصورة والخطاب التي تخدم المشروع الصهيوني وسردية الاحتلال، وعملت على تكوين مراكز دراسات للتغلغل في عمق الوعي العالمي بحق احتلال الأرض والحق في الدفاع عن النفس باعتباره صاحب حق، لقد نجحت -الدياسبورا – الآلة الدعائية الصهيونية في خلق رأي عام عالمي لصالح الكيان الغاصب بقوة الكذب وقوة الإكراه وقوة الترهيب، على أن ما حصل بعد السابع من أكتوبر خلق ميزان قوى جديدة في الرأي العام العالمي لفائدة القضية الفلسطينية ودعم عدالة قضية الشعب الفلسطيني، وبدأ انهيار سردية الاحتلال وتبني السردية الفلسطينية، لقد أعادت عملية طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى واجهة الساحة الدولية والتذكير بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وارتفعت أعداد المظاهرات الشعبية والاحتجاجات الغربية الداعمة والمساندة لفلسطين واعتبار ما يقوم به شعبها من مقاومة وصمود هي معركة تحرير من احتلال بدأ يأخذ شبه الأبرتايد في جنوب إفريقيا، وخاصة بعد تجاوز جرائم الاحتلال المشاعر الإنسانية من وحشية وجبروت ذهب ضحيته النساء والأطفال وتجاوزها القانون الدولي الإنساني، بذلك بدأت تسقط سردية الاحتلال وتتفوق السردية الجديدة المعززة للرواية الفلسطينية والرافضة لرواية الاحتلال التي بدأت ترفعها أصوات الشعوب الغربية خاصة، وعدد كبير من الشخصيات السياسية والإعلامية وصناع الرأي على المستوى الدولي. إن مستقبل القضية الفلسطينية أصبح أكثر وضوحا لدى الرأي العام الدولي، وهو الحرية لفلسطين، وقد كشف طوفان الأقصى أيضا ومن جانب آخر زيف الكيان الصهيوني كرائد للمشروع الغربي الحضاري ضدَّ المشروع الإسلامي في الشرق، حيث فضح الطوفان الانهيار الأخلاقي للمنظومة الغربية وإفلاسها القيمي عندما داست على كل حقوق الإنسان وكل القيم الدولية المشتركة، وأبانت عن عنصرية ونفاق، وفضحت سياسة الكيل بمكيالين خاصة إذا ما تم مقارنة المواقف الغربية بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في غزة، حيث وصفوا المقاومة ومعركة التحرير بالإرهاب. كما عرّت عملية طوفان الأقصى الانحياز المفرط والعلني المباشر للولايات المتحدة مع كيان الاحتلال إذ لم تمر بعض الأيام حتى حرك الجيش الأمريكي حاملة الطائرات جيرالد فورد نحو الشرق الأوسط وعلى مقربة من كيان الاحتلال لـ “إظهار دعم واشنطن”. ولا يقل تحريك البارجة البحرية الأمريكية عن تجيير المنظمات الدولية لصالح كيان الاحتلال وإحكام الحصار على غزة، وما موقف الأمين العام للأمم المتحدة وغضب كيان الاحتلال عليه إلا دليل على ذلك، لقد تشقق جدار الحداثة السياسية ومنظومة حقوق الإنسان وهو يتجه نحو الانهيار القريب بعد السابع من أكتوبر، والمقصود بالحداثة السياسية هنا مقولات المنتظم الدولي في خصوص حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية المدنيين في أوقات الأزمات وزمن الحروب، وحياد المنظمات الدولية، لقد أسقط طوفان الأقصى كل أقنعة الغرب المتستر بمقولات الحداثة التي لم تمنعه في السابق والحاضر من إلقاء القنابل النووية وقتل النساء والأطفال وتدمير القرى ودك المدن بسكانها وقتل الملايين في حربين عالميتين، لقد بات اليوم الرأي العالمي يشعر بأن قضية فلسطين ليست قضية محلية بل هي معركة العالم الذي يريد أن يتحرر من سطوة الصهيونية لأن في تحرير فلسطين خطوة أولى في تحرير العالم من سيطرة الصهيونية الإرهابية والرأسمالية الربوية المتوحشة الرابضة على رقاب الفقراء والمستضعفين المهيمنين على كل نفس حر في العالم، لقد أصبح شعار المقاومة شعارا عالميا وأصبحت الكوفية رمزا لمعركة عالمية حضارية كبرى واستراتيجية هي التحرر من النظام العالمي الراهن الذي لم يعد سبيلا لتحرر الشعوب وتحقيق السلام والعدالة العالمين.

الفقرة الثالثة: عودة الخلافة الراشدة وعاصمتها القدس

أولا: في شرط الانعتاق من النظام العالمي الراهن

لقد تعرضت الإنسانية إلى أكبر خديعة عبر التاريخ، عندما تشكل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، لما عبر عن حلم الإنسانية في السلم والأمن، حيث كانت نتائج الأوضاع الدولية مخالفة تماما لما دعت إليه ست عشرة دولة من دول حلف الأطلنطي – حلف الناتو سنة 1949م – مع ست دول تشكل حلف وارسو واثنتي عشرة دولة أوربية محايدة وكندا تترأسهم الولايات المتحدة بتوقيعها على ميثاق الأمن والتعاون الأوربي سنة 1990، فلقد خيبت أمال الشعوب وخاصة الضعيفة لما كان المشهد الدولي بعد وقت قصير جدا معاكسا لأهداف هذا النظام العالمي الجديد ودعاويه من منع حل النزاعات باستعمال القوة أو بالتهديد بها وإنما حلها بالمفاوضات وبالوسائل السلمية، والحؤول دون سباق التسلح والتزام الأعضاء الحلف بالديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وظهر أن هذا النظام العالمي الراهن ليس إلا امتدادا وتكرارا لنموذج الحلف الأوروبي على نطاق عالمي، وقد كان هدف الكيانات الأوروبية تاريخيا نهب ثروات مستعمراتها ومواردها لصالح شعوبها ونهضتها الصناعية، فكيف تصبح الهند من أفقر دول العالم لولا الاستعمار البريطاني، إن تجربة عصبة الأمم وسرديات قيم الحداثة الغربية وفلسفتها الأخلاقية أسقطتها الحروب العالمية الأوروبية بالأساس، كما أسقطت حرب الإبادة الجماعية على غزة منظمة الأمم المتحدة وأغراضها وقيمها وكشفت زيف النظام العالمي الجديد المهيمن على الشعوب.

إن من مظاهر النظام العالمي الجديد الهيمنة على المنظمات الدولية وتغليب المصالح الذاتية والضيقة على حساب المبادئ والأغراض الإنسانية، والانحياز إلى الدول القوية باسم التضامن بينها واستعمالها في الانقضاض على دول، والتمييز بين الدول على أساس الولاء والانخراط في المنظومة الثقافية للدول المهيمنة، وفرض نموذج محلي استعماري على العالم وإلغاء الآخر، ويلخص السرجاني الصورة التي آل إليها العالم في ظل النظام العالمي المهيمن متسائلا: “إلى أين أنتم متجهون؟! إن العالم يسير بخطى حثيثة نحو عدة كوارث كونية تكفي الواحدة منها إلى إفناء النوع البشري.. وأكثر من ذلك فإن العالم في الحقيقة فَقَدَ «سعادته»! إن هناك حالة من التوتر والاحتقان والقلق والغضب أصابت كل بقاع العالم تقريبا.. تفشى الظلم والقهر، وظهر الفساد في البر والبحر، وصار الناس شيعا وأحزاباً يضرب بعضهم رقاب بعض… “([35]).

حان الوقت لزوال هذا النظام المهيمن المنحاز إلى فلسفة هيمنة الرجل الأبيض وفلسفة الإلحاق الحضاري وديان الصهيونية الجديدة، النابعة من المركزية الأوروبية التي تعتبر الخير في تجربتها الحضارية فقط التي وجب فرضها على كل الشعوب وتلقينها الحضارة، لأنها مقياس التحضر والتمدن، ولها حق الوصاية على كل الأمم. إن العالم في حاجة ماسة في هذا الوقت إلى حركة تحررية ثقافية فكرية برؤية حضارية لتحرير الإنسانية من هيمنة الحضارة الغربية بخلفيتها الفلسفية «التي تحصر الحياة الإنسانية في هذه الحياة الراهنة، وتنفي أن يكون لها امتداد بشكل آخر بعد الموت أو لا تأبه بذلك كثيرا، وهي بالتالي تعتبر وجوه الملذات الإنسانية منحصرة فيها، منتهية بانتهائها، فهي إذن الغُنم الأكبر الذي إن فات فات كل شيء، “([36]).

أصبح من المسؤولية الإنسانية أن يجتمع الناس على التخلص من ترسبات الماضي والنظرة العدوانية بين نحن والآخر والتي أصبحت بمقتضاها نظرية صدام الحضارات شبه حتمية في المعقول الحضاري الدولي بفعل بعض التصورات الاستشراقية البغيضة وبفعل الضخ الإعلامي الصهيوني الحقود، حيث تم تكريس فكرة الإسلام عدو الغرب، وازداد تعميق نظرية الحرب الموعودة” هرمجدون “بين المسلمين والغرب – المسيحي واليهودي- وهي وعد تاريخي وحتمي لا مفر منه، فأصبحت المكائد تحاك لتوفير مناخ النزاع وزرع فتيل الصدام وإذكاء روح الحرب بين الحضارات وصناعة الإسلاموفوبيا أو الخوف والترهيب من الإسلام ذلك الغول القادم إلى الغرب، حيث المستفيد الوحيد من هذه المعارك هم الصهاينة، الذين يحاربون من وراء جدر بالفتن والمؤامرات. إن أول معركة وجب أن تخوضها الإنسانية من خلال المنظمات الدولية هي تحرير العالم من براثن الصهيونية، التي تغلغلت في مواطن عديدة من عواصم العالم الغربي، وتمكنت من توجيه القرارات فيها لصالح الصهاينة، وأشعلت الحروب والنيران في مناطق مختلفة من العالم، مصداقا لقوله: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64].

ثانيا: عودة الخلافة الإسلامية الراشدة وعاصمتها القدس

إن النتيجة الطبيعية لصراع الإنسانية ضد الصهيونية هي أفولها وزوالها، وإن من تبعات ذلك أفول النظام العالمي الصهيوني، وانتهاء التاريخ الإجرامي لكيان بني إسرائيل، والانتهاء من كل أشكال الحكم العضوض في بلدان العالم الإسلامي. يقول رسول الله ﷺ: (تكونُ النُّبُوَّةُ فيكم ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا عاضًّا، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ – تعالى -، ثم تكونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فيكونُ ما شاء اللهُ أن يكونَ، ثم يَرْفَعُها اللهُ تعالى، ثم تكونُ خلافةً على مِنهاجِ نُبُوَّةٍ. ثم سكت) ([37]).

وإن أول استنتاج يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث الشريف أن الخلافة الراشدة ستكون خاتمة كل أشكال أنظمة الحكم التي وردت في الحديث، وأن نهاية تاريخ العمران البشري بالنسبة للمسلمين على الأقل سيكون خلافة على منهاج النبوة كما كانت التجربة التأسيسية الأولى للخلافة الإسلامية بعد النبوة مباشرة. والاستنتاج الثاني البديهي أنها ستكون بعد الملك الجبري أي الملك الذي تغيب فيه الحريات وتجبر فيه الشعوب على الطاعة كرها وجبرا، وتتعسف فيه الملوك على شعوبها قهرا واستبدادا، وتكون كل أنظمة الحكم على صفة الملك ولو لم يكن مسماها كذلك، فهي كلها يجمعها الجبر والغلبة وتنتفي فيه سلطة الإنسان وإرادته، قال ابن الأثير: ثم يكون مُلك وجَبَرُوت، أي عُتُوّ وقَهْر. يقال: جَبَّار بَيّن الجَبَرُوّة، والجَبريَّة، والْجَبَرُوت”([38]). وإن المتصفح الحصيف في حال الأمة يدرك الإعجاز في الحديث النبوي وحقيقة مبناه ومعناه، على أن هذا الأمر يحتاج إلى اكتمال صورة تحقق الخلافة بالعلم بتوقيتها بعد العلم بمكانها وهو بيت المقدس، وفي هذا المسألة يتعين الرجوع إلى حديث ثان يعضد الأول بالإشارة إلى لحظة التحول من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة، وهي بالتأكيد لن تكون إلا لحظة تاريخية كبيرة تحدث رجة عملاقة في موازين القوى العالمية بما يطيح بالنظام العالمي القائم على الظلم والاستكبار والتوحش وهو حال العالم الآن، جاء في الحديث عن ابْن زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ رضي الله عنه، فَقَالَ لِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ، فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ» ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ قَالَ: عَلَى هَامَتِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ»([39]). يشرح عمر حماد الحديث بالقول: “والدليل على أن المراد بالحديث خلافة مقرها فلسطين وعاصمتها القدس؛ أن القرآن الكريم وصف فلسطين بالأرض المقدسة، فقال على لسان موسى عليه السلام ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: 21]، والمعروف أن الأرض التي رفضوا دخولها هي فلسطين، وأن يوشع بن نون خليفة موسى عندما بدأ تنفيذ أمر موسى كان ذلك بدخوله أرض فلسطين، وبلاد الشام إنما تأخذ قدسيتها من كونها محيطة بالمسجد الأقصى، وقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [الإسراء: 1] فالبركة مقرها المسجد الأقصى، وكل ما قرب منه فهو أكثر قدسية، ولذلك حملنا الحديث على أن المراد به خلافة تكون عاصمتها القدس، وقاعدتها أرض فلسطين، ومثل هذا لم يحدث من قبل([40]).

إن جمع الحديثين السابقين ودمج معْنييْهما يسمح لنا بأن نحدد توقيت الخلافة المقدسية القادمة والتي برأينا ستكون مباشرة بعد تحرير القدس، فالعودة للخلافة الإسلامية ستكون قريبة جدا من معركة طوفان الأقصى، لذلك يمكن القول إن معركة طوفان الأقصى هي بداية التحقيب لمرحلة الخلافة المقدسية لأنها تضعنا أمام عتبة اللحظة التاريخية أي لحظة التحرير بمعناه الواسع أي التحرر من أوضاع الاستبداد في العالم الإسلامي ووضع الاحتلال لوقف الأمة أرض فلسطين، وإننا ندرك اليوم أكثر من أي وقت أن معركة طوفان الأقصى تفتح لنا أبواب الرجوع إلى سدة الحضارة والاستئناف الريادي للأمم والشهادة على الناس، حيث كسرت الحتمية المعتبرة عند الغرب، وهي مقولة انتهاء الحضارة أو تفوق الحضارة الرأسمالية في ما يُعدّ صراعا للحضارات، كما أن طوفان الأقصى دلنا على طريق تغيير النفس وتحويل حالة الوهن التي أصابت الأمة الإسلامية إلى قوة محركة للنهضة الإسلامية العالمية وهو الجهاد، يقول عماد الدين خليل: ” “إن الذي يفرق الموقف الإسلامي ويميزه اذن، هو أنه يطرح ازاء مسألة سقوط الدول والتجارب والحضارات، ما يمكن تسميته (الحتمية التفاؤلية) إذ يقرر إمكانية أية أمة أو جماعة أن تعود باستمرار لكي تنشىء دولة أخرى، أو تمارس تجربة جديدة، أو تتولى زمام القيادة الحضارية والعقائدية، بمجرد أن تستكمل الشروط اللازمة لذلك، وأولها عملية (للتغيير الداخلي) التي أكد القرآن على حدها الايجابي بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11] ([41]) ثم إن طوفان الأقصى استرجع قيمة مفتاحية وشرطاً أساسياً لاستعادة المجد والخيرية وهي الجهاد يقول عماد الدين خليل مبينا أهمية التحرر أولا من معادلة الوهن ثم استعادة سلاح نهضة الأمة: “وحينما افتقدت هذه الروح الجهادية وطُمس عليها في مجتمع فقد مبرر وجوده، وتمزقت وحدته، وتباطأت اندفاعيته العقائدية، واضمحلت منجزاته الحضارية، وتقلص دوره في العالم، وآل أمره إلى التدهور والسقوط.. وأن تاريخنا المعاصر ليقدم لنا عشرات الأمثلة التطبيقية على صدق هذه المعادلة لقد كان أبو بكر – مرة أخرى -… واضح الرؤية عندما قال مخاطباً منتخبيه وأنه ما ترك قوم الجهاد قط إلا عمهم الله بالبلاء”([42]). وفي سياق هذه البشرى بسنة الله بالتمكين للمسلمين والعودة بهم إلى الخيرية والشهود الحضاري وراء الخلافة المقدسية يعلق عمر حماد قائلا: يجب أن يلهج الناس بحفظه – الحديث – وترديده، ومما يجب أن يعملوا لأن يكونوا من جند الخلافة الإسلامية الراشدة التي تكون في بيت المقدس بعون الله تعالى، ومن بعد زوال دولة اليهود القائمة الآن، وقبل نزول المسيح عليه السلام([43]). قد يظن البعض أننا نمارس الطمأنة النفسية والتفاؤل العريض أو تنفيس المنهزم أو دعاية حرب 1967، ولكن يخبرنا بابيه المفكر اليهودي في مقدمة مقالته بحقيقة مخالفة لهذا الظن الذي يبخس حق طوفان الأقصى يقول: سأزعم هنا أن هذه الأمور صارت أكثر وضوحاً، من أي وقت مضى في حالة إسرائيل نشهد الآن عملية تاريخية–أو بشكل أكثر دقة، بدايات عملية تاريخية ـ من المُرجح أن تبلغ ذروتها بسقوط الصهيونية. وإذا كان تشخيصي صحيحاً، فهذا يعني أننا ندخل أيضاً في ظرفٍ بالغ الخطورة. وبمجرد أن تُدرك إسرائيل حجم الأزمة، فسوف تُطلق العنان لِقوّة شرسة وغير مُقيدة في محاولة لاحتوائها، كما فعل نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا خلال أيامه الأخيرة([44]). ويزيد الله تثبيتا لقلوب المؤمنين بأن جعل للظالمين أجلاً لا يستقدمونه ولا يستأخرونه، ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [آل عمران: 178]، يقول عماد الدين خليل: ” يظنون أنهم غدوا بمنأى عن عقاب الله، وانه لا تدهور ولا سقوط.. ويتطرف بعضهم الآخر فيستعجل المصير قبل تحققه على سبيل التحدي والاستفزاز.. إلا أن هؤلاء وهؤلاء لم يدروا ان كتابهم لم يبلغ أجله، وأنه إذا جاء فليس لهم إلا أن يعانقوا مصائرهم التي صاغوها بأيديهم سلفاً، والتي مُد في أجلها لكي يزيدوها بممارساتهم السافلة، بلورة ووضوحاً وانطباقاً على هذه الممارسات “([45]).

الخاتمة:

إن سنن الله في الكون كما هي في الحياة الاجتماعية إنما هي اختصار لتاريخ البشرية وهي تخطيط رباني لمسار اجتماع العمران البشري، ففهمنا لسنن الله في خلقه طبيعة وبشرا، خلقا للسموات والأرض والإنسان يسمح لنا بمعرفة السيرورة التاريخية وكنه الحياة البشرية بأسرارها ومقاصدها، فتبوح الحياة الإنسانية بأسرارها لأنها لا تيسير إلا وفق حدود وقانون صارم وثابت ومطرد لا ينفك، هي سنن الله، ومن يكتشفها، يفتح له الله أبواب النجاة ويغدق عليه أنهار الرزق وأسباب الرفاه والسعادة وينعم عليه بالتمكين والنصر والعز، فما يقع في العالم لا يجري على وجه الصدفة والعبث، ولقد أتت السنن الإلهية فيما أتت به الإيمان بالخالق البديع، والمصور البصير، والعليم الحكيم، وإن من حكمة الله أن ينثر بين يدي المؤمنين أسرار خلقه وقوانين ملكه لعل من يتبصر من عباده بها يقتحم عقبات الابتلاء وامتحانات الوجود ببصيرة المؤمن، فيتحول وجوده إلى شهادة على الناس وإصلاحٍ لحال الأمة، فيعز به الله قومه، وتدرك به أمته النصر والخيرية.

لقد رأينا في معركة طوفان الأقصى تجليات البصيرة بسنن الله، لما استخلص عباد الله المجاهدون شروط النصر، بالاستعداد للمعركة وتوفير أسباب توازن الرعب بهدم جدران الأعداء المادية والمعنوية وبما كسروا حتمية الوهن والخذلان والخوف من الدنيا بالرجوع إلى قاعدة العقيدة الصادقة الصافية ومعادلة الجهاد بإخلاص وصبر مقابل النصر والتمكين. وإن سبر أغوار الآيات القرآنية هو جزء حتمي من أسلحة المعركة، لقد مكننا القرآن الكريم من خلال استكشاف طبائع العدو واستنباط السنن الإلهية الخاصة به، والتي لا تتخلف عنه ثباتا واطرادا من قطع الطريق أمام التفوق التكنولوجي والتطور العسكري باللعب على خصائص الشعب اليهودي النفسية والاجتماعية، من سنة التحريف والتبديل، وسنة الخوف ولاستكانة والمذلة والهشاشة النفسية والدونية بسبب غضب الله عليهم والصراع من خلف الجدر والاحتماء بالحصون، وسنة العود وجزاء التشتيت والزوال.

إن معركة طوفان الأقصى ليست معركة محلية أو قومية تهم الشعب الفلسطيني لوحده بل إنها تنمي إلى مسار حضاري يهيئ له الله الأمة الإسلامية بأكملها لترتقي مرة أخرى إلى مرتبة الخلافة الراشدة، ولأن معركة طوفان الأقصى هي بوابة الصراع بين الإنسانية وأعدائها، فهي عملية تحرر جماعية وبشرية من صداع الصهيونية ونزيف الاستكبار الذي تقودها منظومة عالمية لا تبشر إلا بالخراب والفساد، وإن الحروب والدمار الذي عاشته الإنسانية ليس وراءه إلا مكائد الصهيونية، فإنها شيطان الإنسانية وإبليس البشرية وعدوها، بما وسوست به للأمم من انحرافات عن الفطرة، وتخيلات عن الحق، كما إبليس هو عدو الإنسان في مسيرته الفردية، فهي من أسباب قول الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾ [البقرة: 30]. وإن أفراد الأمة المسلمين لن يتغير واقعهم إذا ما ظاهروا طوفان الأقصى ولم يستأنسوا به كشرط لسنة التغيير، ولم يضعوا طوفان الأقصى نقطة انطلاق مسيرة الاستئناف الحضاري نحو عودة الخلافة المقدسية الراشدة وعاصمتها القدس.

المصادر والمراجع

  • مجد الدين أبو السعادات الشيباني الجزري ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية – بيروت، ١٣٩٩هـ – 1979م.
  • الألوسي، شهاب الدين بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ.
  • تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية. مجموع الفتاوى، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المدينة المنورة – السعودية، 2004م.
  • تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، النبوات، تحقيق عبد العزيز بن صالح الطويان، نشر أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 2000م.
  • روجي جارودي، الأصوليات المعاصرة، أسبابها ومظاهرها، تعريب خليل أحمد خليل، دار عام ألفين، باريس، د ت، 2000م.
  • الإمام أحمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل، شعيب الأرناؤوط، عادل مرشد – وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة ط1، 2001م.
  • أبو الطيب محمد صديق خان، فتحُ البيان في مقاصد القرآن، مراجعة عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري، المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صَيدَا – بَيروت، 1992م.
  • عماد الدين خليل، التفسير القرآني للتاريخ، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1975م.
  • محمد رشيد بن علي رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.
  • محمّد مرتضى الحسيني الزَّبيدي تاج العروس من جواهر القاموس، وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت -المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، 1965-2001م.
  • عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1993م.
  • محمد بن أحمد بن مصطفى المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، د ت، د ط.
  • عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1993م.
  • أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي، التفسير الكبير، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420هـ.
  • أبو داود سليمان الأزدي السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، د ت، د ط.
  • راغب السرجاني، المشترك الانساني نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 2011م.
  • محمد متولي الشعراوي، الخواطر الشعراوي، مطابع أخبار اليوم.
  • محمد باقر الصدر، صيغ السنن التاريخية، مركز نون للتأليف والترجمة، بيروت. لبنان، ط1، 2009م.
  •  محمد باقر الصدر، السنن التاريخية في القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2011م.
  • أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار التربية والتراث – مكة المكرمة، د ت، د ن.
  • يوسف العاصي إبراهيم الطويل، الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (الجذور – الممارسة – سبل المواجهة)، صوت القلم العربي، مصر، ط2، 2010م.
  • محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، الدار التونسية للنشر – تونس، د ط، 1984م.
  • أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1964م.
  • سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشرق، ط32، 2003م.
  • ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق حكمت بن بشير بن ياسين، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع – السعودية، ط1، 1431هـ.
  • أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض -السعودية ط2، 1999م.
  • القس إكرام لمعي، الاختراق الصهيوني للمسيحية، دار الشروق، القاهرة، ط2، 1993م.
  • محمد بن مكرم، جمال الدين ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ
  • كمال معطار، نهاية الصهيونية في الآيات القرآنية، الدار المختارة للنشر والتوزيع، الجزائر، ط1، 2023م.
  • عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيوني، دار الشروق، ط1، 1999م.
  • عبد الوهاب المسيري، مقال نُشر على صفحات” الجزيرة نت “عام 2006 بعنوان” نهاية إسرائيل.
  • أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط1، 2008م.
  • مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، المسألة اليهودية، دار الفكر، دمشق، ط1، 2012م.
  • عبد المجيد النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2008م.
  • محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت ٣٧٠هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط1، 2001م.

مواقع

  • عمر حماد، الجمعة 3/11/2023م، https: //palscholars. org/?p=18290موقع هيئة علماء فلسطين.
  • من هم الإنجيليون ولماذا ضغطوا لنقل السفارة الأميركية إلى القدس؟ موقع المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 17 أفريل 2018، https: //www. madarcenter. org/
  • موقع «Sidecar» يوم 21 حزيران 2024، مقال مقتبس من صحيفة الرأي للكاتب إيلان بابيه نُشرت في ترجمها أنس أبو سمحان لموقع عرب 48.
  • موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوربي.
  • علي محمد الصلابي، صفات اليهود في القرآن الكريم، موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 28/09/2019، https: //iums. me/10241

([1]) دكتوراه المالية الإسلامية، وباحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية تونس، تاريخ استلام البحث، 1/9/2024م، وتاريخ قبوله للنشر، 5/12/2024م البريد الإلكتروني: k. essaid@univ-biskra. dz

([2]) عماد الدين خليل، التفسير القرآني للتاريخ، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1975م. ص 13.

([3]) محمّد مرتضى الحسيني الزَّبيدي تاج العروس من جواهر القاموس، وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت -المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، 1965-2001م 35/232.

([4]) محمد بن مكرم، جمال الدين ابن منظور الإفريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ، 13/225

([5]) أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط1، 2008م، 2/122.

([6]) محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (ت ٣٧٠هـ)، تهذيب اللغة، تحقيق محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط1، 2001م، 12/213.

([7]) الألوسي، شهاب الدين بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ، 4/65

([8]) الألوسي، شهاب الدين بن عبد الله الحسيني، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ، 14/19.

([9]) تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية. مجموع الفتاوى، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف -المدينة المنورة – السعودية، 2004م، 13/69.

([10]) عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1993م، ص 10.

([11]) محمد باقر الصدر، السنن التاريخية في القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2011م، ص64.

([12]) عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1993م، ص 14.

([13]) تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، النبوات، تحقيق عبد العزيز بن صالح الطويان، نشر أضواء السلف، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 2000م، ص 867.

([14]) عبد الكريم زيدان، السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1993م، ص 10.

([15]) أبو عبد الله، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1964م، 15/ 145.

([16]) محمد رشيد بن علي رضا، تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، 5/ 434.

([17]) باقر، نفسه، ص15.

([18]) محمد باقر الصدر، صيغ السنن التاريخية، ص15.

([19]) علي محمد الصلابي، صفات اليهود في القرآن الكريم، موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 28/09/2019، https: //iums. me/10241

([20]) محمد بن أحمد بن مصطفى المعروف بأبي زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، د ت، د ط، 4/701.

([21]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/10.

([22]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 18/33.

 ([23]) كمال معطار، نهاية الصهيونية في الآيات القرآنية، الدار المختارة للنشر، الجزائر، ط1، 2023م، ص 38.

([24]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 18/33.

([25]) محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، الدار التونسية للنشر – تونس، د ط، 1984م، 4/56.

([26]) أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض -السعودية ط2، 1999م، 2/104.

([27])  كمال معطار، نهاية الصهيونية في الآيات القرآنية، ص 38.

([28]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 10/338.

([29]) محمد متولي الشعراوي، الخواطر الشعراوي، مطابع أخبار اليوم5/99.

([30]) نفسه، 5/99.

([31]) نفسه، 5/99.

([32]) نفسه، 5/100.

([33]) مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، المسألة اليهودية، دار الفكر، دمشق، ط1، 2012م، ص 32.

([34]) موقع أخبار تأشيرة شنغن الأوربي. https: //www. schengenvisas. com/ar

([35]) راغب السرجاني، المشترك الانساني نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، مؤسسة اقرأ، القاهرة، ط1، 2011م، ص 6.

([36]) عبد المجيد النجار، مراجعات في الفكر الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2008م، ص 283.

([37]) رواه الإمام أحمد عن النعمان بن بشير، مسند أحمد بن حنبل، (30 / 355)

([38]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 3/253.

([39]) رواه أبو داود في سننه، تحت رقم: 2535.

 ([40])عمر حماد، الجمعة 3/11/2023م، موقع هيئة علماء فلسطين، https: //palscholars. org/?p=18290.

([41]) عماد الدين خليل، التفسير القرآني للتاريخ، ص 261.

([42]) نفسه، ص 292.

([43]) عمر حماد، الجمعة 3/11/2023م، موقع هيئة علماء فلسطين، https: //palscholars. org/?p=18290.

([44]) المقال مقتبس من صحيفة الرأي للكاتب إيلان بابيه نُشرت في موقع «Sidecar» يوم 21 حزيران 2024، ترجمها أنس أبو سمحان لموقع عرب 48.

([45]) عماد الدين خليل، التفسير القرآني للتاريخ، ص 257